كلام السهيلي في الاسم الأعظم....
 -قَالَ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِأُبَيّ أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللّهِ أَعْظَمُ وَلَمْ يَقُلْ أَفَضْل إشَارَةً إلَى الِاسْمِ الْأَعْظَمِ أَنّهُ فِيهَا ، إذْ لَا يُتَصَوّرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَعْظَمُ آيَةً وَيَكُونُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي أُخْرَى دُونَهَا . بَلْ إنّمَا صَارَتْ أَعْظَمَ الْآيَاتِ لِأَنّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فِيهَا . أَلَا تَرَى كَيْفَ هَنّأَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أُبَيّا ، بِمَا أَعْطَاهُ اللّهُ تَعَالَى مِنْ الْعِلْمِ وَمَا هَنّأَهُ إلّا بِعَظِيمِ بِأَنْ عَرَفَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَالْآيَةُ الْعُظْمَى الّتِي كَانَتْ الْأُمَمُ قَبْلَنَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ إلّا الْأَفْرَادُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ ، وآصف صَاحِبُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَبُلْعُوم قَبْلَ أَنْ يَتّبِعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَقَدْ جَاءَ مَنْصُوصًا فِي حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - الّذِي خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ ، وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ - وَكُنْيَتُهَا : أُمّ سَلَمَةَ [ ص 93 ] سَأَلَتْ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَفِي هَاتِينَ الْآيَتَيْنِ {اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ} و{الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {هُوَ الْحَيّ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ} الْآيَةَ أَيْ فَادْعُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ ثُمّ قَالَ { الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ} تَنْبِيهًا لَنَا عَلَى حَمْدِهِ وَشُكْرِهِ إذْ عَلِمْنَا مِنْ هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ فَإِنْ قُلْت : فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ أَيْضًا أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَمِعَ رَجُلًا - وَهُوَ زَيْدٌ أَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ - ذَكَرَ اسْمَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ - يَقُولُ " اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك ، بِأَنّ لَك الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ الْمَنّانُ بَدِيعُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَقَالَ لَقَدْ دَعَا اللّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ . وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَفَرَ اللّهُ لَهُ غَفَرَ اللّهُ لَهُ . وَرَوَى التّرْمِذِيّ نَحْوَ هَذَا فِيمَنْ قَالَ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك ؛ فَإِنّك اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصّمَدُ الّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَهَذَا مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ قُلْنَا : لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا ، وَبَيْنَ مَا تَقَدّمَ فَإِنّا لَمْ نَقُلْ إنّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ بَلْ الْحَيّ الْقَيّومُ صِفَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ . وَتَتْمِيمٌ لِذِكْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمَنّانُ . وَذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَقَدْ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ أَيْضًا فِي الدّعَوَاتِ وَكَذَلِكَ الْأَحَدُ الصّمَدُ فِي حَدِيثِ التّرْمِذِيّ . وَقَوْلُك : اللّهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ هُوَ الِاسْمُ لِأَنّهُ لَا سَمِيّ لَهُ وَلَمْ يَتّسِمْ بِهِ غَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي التّسْعَةِ وَالتّسْعِينَ اسْمًا : إنّهَا كُلّهَا تَابِعَةٌ لِلِاسْمِ الّذِي هُوَ اللّهُ وَهُوَ تَمَامُ الْمِائَةِ فَهِيَ مِائَةٌ عَلَى عَدَدِ دَرَجِ الْجَنّةِ إذْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَنّهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ وَقَالَ فِي الْأَسْمَاءِ " مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ " فَهِيَ عَلَى عَدَد دَرَجِ الْجَنّةِ

...إقرأ المزيد

فوائد قرءانية:
1- التربية بالأمثال القرآنية والسنة النبوية توظف العقل والوجدان وتربيهما وهي طريقة ذات نتائج فعالة في حياة الفرد والجماعة ولها أثر عميق في النفس والسلوك وفي كيان المجتمع وتكوين علاقاتهم. 2- 3- 4- روي أنه لما كثر الماء في السكك من الطوفان خشيت أم على صبي لها، وكانت تحبه حبا شديدا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبي بيديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي، وقد رويت رواية أخرى ملخصها أن الله تعالى أيبس أصلاب الآباء وأعقم أرحام النساء قبل العذاب بأربعين سنة ، ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب ويشهد له قوله تعالى "وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم"، إذ لا يتصور التكذيب من الأطفال . 5- (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) ، قال الضحاك رحمه الله : كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال: بسم الله، فجرت ، وإذا أراد أن ترسوَ قال: بسم الله ، فَرَسَتْ. 6- ربّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ، وهو المدينة وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ، وهو مكة ، وهذا قول الحسن وقتادة وهو مروي عن ابن عباس. 7- (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) ، يمكن أن يؤخذ منه أن الإنسان ينبغي أن لا يصرح بكُل حاجاته ومآربه واتجاهاته للناس ، وليدخر منها شيئا في قلبه فلا يطلع عليه كائنا من كان . 8- جاء لفظ اللهو قبل اللعب في الأعراف والعنكبوت فقط. 9- قال تعالى:" وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً" قد دلت الآية على أن التاريخ يكون بالليالي دون الأيام، لقوله تعالى:" ثَلاثِينَ لَيْلَةً" لأن الليالي أوائل الشهور. وبها كانت الصحابة رضي الله عنهم تخبر عن الأيام، حتى روي عنها أنها كانت تقول: صمنا خمسا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعجم تخالف في ذلك، فتحسب بالأيام لأن معولها على الشمس، قال ابن العربي: وحساب الشمس للمنافع، وحساب القمر للمناسك. 10- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن في سورة النساء خمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها : أ‌- قوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}. ب‌- وقوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) . ت‌- وقوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ث‌- وقوله (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) ج‌- وقوله (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) . - وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها ثمان فأضاف لها أربعا ، ولم يذكر واحدة والأربع هي: أ‌- قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ). ب‌- وقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) . ت‌- وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) . ث‌- وقوله تعالى: (ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إن شكرتم وآمنتم )، والتي لم يذكر ابن مسعود هي: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) - والظاهر والله أعلم أنه بعد النظر وإعادة التأمل في سورة النساء أنها عشر آيات وهي: المذكورة التسع بالإضافة إلى قوله تعالى:( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا). - وعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله أنه قال : لأهل النار خمس دعوات يجيبهم اللّه تعالى في أربع منها ، فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا يقولون: - الأولى في الزمر «رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا ، فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ » فيجيبهم اللّه عزّ وجلّ « ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ، وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ » الثانية ثم يقولون في السجدة : «رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ» فيجيبهم جل شأنه : « فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ». الثالثة ثم يقولون في إبراهيم : « رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ» فيجيبهم تبارك وتعالى : « أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مالكم من زوال». الرابعة ثم يقولون في فاطر: « رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ » فيجيبهم جل جلاله « أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ». الخامسة ثم فيقولون في المؤمنون: « رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ » فيجيبهم جل وعلا :« اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ » فلا يتكلمون بعدها فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء. 1- إن لفظ التوفيق ومادته في القرآن قليل لم يأت إلا ثلاث مرات: - الأولى في قول شعيب-عليه السلام- في هود : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). - الثانية قوله تعالى في سورة النساء في أمر الحكمين عند اختصام الزوجين: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا). - الثالثة قوله تعالى في سورة النساء أيضا :(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا). 2- جاءت كلمة (صدق) مصدرا مضافا في القرآن سبع مرات : - الأولى والثانية في يونس: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ) (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) - الثالثة والرابعة بالإسراء:(أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) - الخامسة في مريم (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا). - السادسة في الشعراء: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ). - السابعة في القمر :(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ). 3- إن كلمة الجاهلية لم تأت في القرآن إلا مضافة إلى شيء مذموم محذور ، وقد وردت أربع مرات: - الأولى:في سورة آل عمران (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ). - الثانية في سورة المائدة: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) - الثالثة في سورة الأحزاب:(وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى). - الرابعة في سورة الفتح : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ). 4- أربع من كنّ فيه كنّ عليه : البغيَ والنكثَ والمكر والخديعة قال تعالى : (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ)، وقال: (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ)، وقال: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ)، وقال: (وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ). 5- جميع أصحاب قصص سورة الكهف خرجوا وغيروا مكانهم فنجحوا إلا صاحب الجنتين أسره ماله وانكفأ على نفسه (ودخل جنته) فكان الخاسر وحده. 6- قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) ، في الآية وصف للشخص الذي ينبغي الحذر منه والحرص على تجنبه، وهو: أولا- من غفل قلبه عن ذكر الله ثانيا- من اتبع هواه ثالثا- من فرط في أمر دينه ودنياه ، وفي اجتماع هذه الصفات في الشخص تحصيل للخسران من أوسع أبوابه، فلا تغفل عن ذكر الله ومجالسة الصالحين.

...إقرأ المزيد

الأدي مؤثر  - إِنَّ الإسلام فقد جاء ليهذب الكون والحياة الإنسانية ويحسن الحسن ويقويه، ومن ذلك الحسن الذي استحسنه الإسلام واستعمله وشجعه وهذبه الشعر بأغراضه وأنواعه وقوافيه، فحمس الشعراء وكافئهم وقوى هممهم، ولهذا فقد أخرج البخاري ومسلم أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكَمًا) فقد روى أَبِو بَكْرَةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ الأَهْتَمِ : مَا تَقُولُ فِي الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مُطَاعٌ فِي نَادِيهِ ، شَدِيدُ الْعَارِضَةِ ، مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ : يَا رَسُولَ اللهِ وَاللَّهِ إِنَّهُ لِيَعْلَمُ مِنِّي أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَنِي بِهِ وَلَكِنَّهُ حَسَدَنِي ، فَقَالَ عَمْرٌو : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ ذَامِرُ الْمُرُوءَةِ ، ضَيِّقُ الْعَطَنِ ، لَئِيمُ الْخَالِ ، أَحْمَقُ الْوالِدِ ، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتَ في الأَولى ، وَلَقَدْ صَدَقْتَ في الثانية، وَلَكِنِّي رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتَ ، وَغَضِبْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا عَلِمْتَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكَمًا. 1- ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لحسان (اهجهم والله لهو أشد عليهم من وقع النبل) ولهذا انطلق حسان بمقوله الذي قال عنه (لو وضعته على صخر لفلقته ، أو على شعر لحلقته) ومن ذلك قوله بَعْدَ أُحُدٍ فِي بَدْرٍ الْآخِرَةِ يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ طّرِيقَ الشام: دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جِلَادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ إذَا سَلَكْت لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ - ومن ذلك تأثره بشعر قتيلة بنت الحارث في أبيها النضر تبكيه: يَا رَاكِبًا إنّ الْأُثَيْلَ مَظِنّةَ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةَ ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفُقُ مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنقُ هَلْ يَسْمَعنَّ النّضْرُ إنْ نَادَيْته ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ أَمُحَمّدٌ ها أنت نجل كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعرّقُ مَا كَانَ ضَرّك لَوْ مَنَنْت وَرُبّمَا ... من الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحُنَقُ فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْت قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ أ‌- ومن ذلك أن أعرابيا وقف على رأس عمر بن الخطاب فقال: يا عمر الخير جزيت الجنة أكس بنياتي وأمهنه أقسم بالله لتفعلنه فقال عمر وإن لم أفعل يكون ماذا فقال: إذا أبا حفص لأمضينه قال فإن مضيت يكون ماذا قال: والله عنهن لتسألنه ***يوم يكون الأعطيات منه وموقف المسئول بينهنه *** إما إلى نار وإما جنه فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ودخل فلم يجد إلا رداء فأعطاه إياه وقال: خذ هذا لـــــــ: يوم يكون الأعطيات منه***وموقف المسئول بينهنه إما إلى نار وإما جنه

...إقرأ المزيد

طريق الهجرةالنبويةالشريفة.. لما خرج بهما الدليل سلك بهما أسفل مكة بعد الخروج من الغار فأمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربًا نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، ثم اتجه شمالًا على مقربة من شاطئ البحر الأحمر، وسلك طريقًا لم يكن ليسلك إلا نادرًا، ثم عارض الطريق من أسفل من عُسْفَان، ثم سلك بهما على أسفل أمَج، ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قُدَيْدًا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الْخَرَّار، ثم سلك بهما ثَنَّية الْمَرَّة، ثم سلك بهما لِفتا، ثم أجاز بهما مَدْلَجَة لِفت، ثم استبطن بهما مَدْلَجة مِجَاج، ثم سلك بهما مَرْجِح مِجَاج، ثم تبطن بهما مَرْجِح ذي الغضوَيْن، ثم بطن ذي كَشْر، ثم أخذ بهما على الْجَدَاجِد، ثم على الأجرد، ثم سلك بهما ذا سلم ثم أتى بهما على مَدْلَجَة نعْهِنَ، ثم على العَبَابيد، ثم أجاز بهما الفَاجَة، ثم هبط بهما الْعَرْج، ثم سلك بهما ثنية العَائِر، عن يمين رَكُوبة، حتى هبط بهما بطن رِئْم، ثم قدم بهما على قُباء. وإن فتى يمر بأرض ليلى*** ويلثم حيث موطؤها سعيد

...إقرأ المزيد

بقلم : مولاي بن حمين الشنقيطي بسم الله الرحمن الرحيم رسالة في مقاصد الحج وفوائده - أما بعد فإن الحجيج وفد الرحمن وقوافل الملك الديان ، دعاهم فجاءوا ملبين رجالا وركبانا ، يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ، يحدوهم الأمل والرجاء ، تلهج ألسنتهم بالدعاء والثناء ، يحيون شعائر الإسلام ، ويترسمون خطا سيد الأنام ، عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، ولما كان الحج من أعظم العبادات - زمانا ومكانا - جعل الله فيه من الحكم والمقاصد والفوائد الدنيوية والأخروية ما لا يعلمه إلا الله ، ففي هذه العبادة تأرز القلوب إلى بارئها تائبة طائعة نادمة ، ويقبل الحق ويدبر الباطل ، ويتصاغر الشيطان فلا يبقى في النفوس إلا كبرياء الله تعالى وعظمته ، ولذا كانت مقاصد الحج وفوائده من أهم ما ينبغي للحاج أن يتعرف عليه ويلتمسه ومن أهم ذلك: 1- إبراز توحيد الله جل وعلا والعناية به والإخلاص في ذلك كما أمرهم الله عز وجل : (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِـهِ) ، وكما في التلبية التي هي شعار الحج ، والتي تتضمن إفراد الله تعالى وحده بالعمل (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَك) ، وفي رواية لأبي هريرة (لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ) ، وكما في حديث : (خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) ، ومنها التوحيد والإخلاص على جبلي الصفا والمروة : (...لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ) ، ومنها قراءة سورتي الإخلاص والمنابذة في ركعتي الطواف : (قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه . 2- كما أنه يحصل بالحج كمال العبودية لله تعالى مع مطلق التسليم والانقياد فإن الحاج يعمل أعمالا لا يفهم معناها ولا يدرك حكمتها لكنه يقوم بها امتثالا لأمر الله عز وجل وعبودية له كالطواف سبعا ورمي الجمار ورميها بسبع واستلام الركن وتقبيل الحجر وأكل بضعة من كل بدنة وغير ذلك مما لا يدرك معناه وحكمته فيأتي به الحاج على وجه الانقياد والتسليم والعبودية لله عز وجل ، وهذه هي الحكمة من وجود البشر فقد قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون) ، وقد جاء في زيادة لعبد الله بن عمر : (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَل) . 3- أن في الحج إقامة لذكر الله جل وعلا فمن تأمل الآيات والأحاديث الواردة في هذه العبادة يجد ذلك جليا قال الله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) ، وقال تعالى : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) ، وقال تعالى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) ، وقال تعالى أيضا : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) ، وقال تعالى أيضا : (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ، وقال تعالى أيضا : (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) ، وقال صلى الله عليه وسلم (خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) ، وكما في الحديث :( إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْىُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ) ، وكما في الحديث الآخر:( لاَ تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ – يعني أيام التشريق – فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ). 4- كما أن في أعمال الحج تربية فذة على تعظيم شعائر الله وحرماته ويتضح ذلك في التربية القرآنية قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ، وقال جل وعلا : (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ، وفي المقابل زجر وحذر تعالى من لاستخفاف بهذه الشعائر والحرمات قال : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ، وجاء الهدي النبوي على هذا النسق مثل اغتسال الحاج عند الإحرام وتطيبه والتهيؤ والاغتسال لدخول مكة وسوق الهدي وإشعاره وتقليده قال تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه) ، كما يتضح ذلك في تعظيم زمان النسك ومكانه قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) ، وقال أيضا : (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ : مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ ....) ، كل ذلك احتراما وتعظيما لشعائر الله جل وعلا ، وقد جاء هدي السلف الصالح على هذا النسق والمنوال فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعظمون هذه المناسك تعظيما ، حتى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول : كُنا نَتَحَدَّث أن الإلحاد فيه –يعني الحرم-أن يقول الإنسان : (لا والله ، وبلى والله ، وكَلاّ والله) ، ولذلك كان له فُسطاطان أحدهما في الْحِلّ والآخر في الْحَرَم ، فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم وإذا أراد بعض شأنه دخل فسطاط الْحِلّ صيانة للحرم وتعظيما لمحارم الله . 5- كما أن في الحج ربطا لحاضر هذه الأمة بماضيها ، فالسير إلى الحج والطواف بالبيت والصلاة خلف المقام كلها تذكر بتاريخ الأنبياء والصحابة وسلف الأمة والبيت العتيق ، فالأنبياء قد سلكوا هذه الطرق والفجاج والشعاب فقد مسح الله عز وجل ظهر آدم ببطن نعمان وأخرج ذريته من ظهره كما بوأ لإبراهيم مكان هذا البيت وجعل له مقاما فيه وأسكن به ذريته وأمره ببنائه فرفع هو وولده إسماعيل القواعد منه وأمرهما بتطهيره وأمر جل جلاله إبراهيمَ أن يأذن في الناس بالحج فاستجاب إبراهيم لأمر الله واستجاب الله له ، فكان أبو الأنبياء – عليه السلام – أكثرهم ارتباطا تاريخيا بهذا البيت وكان بنوه الأنبياء من بعده يحجون البيت فقد جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ نَبِي إِلاَّ وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ ) ، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (دحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت فهي أول من طاف به ، وكان النبي إذا أهلك قومه ونجا هو ومن معه أتوا مكة فعبدوا الله بها حتى يموتوا ، وإن قبر نوح وهود وصالح وشعيب بين زمزم والركن والمقام ) ، وقد أخرج مسلم وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِوَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ « أي وَادٍ هَذَا » ، فَقَالُوا هَذَا وَادِي الأَزْرَقِ. قَالَ « كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ ». ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى. فَقَالَ « أَي ثَنِيَّةٍ هَذِهِ ». قَالُوا ثَنِيَّةُ هَرْشَى قَالَ « كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّى » ، إذن هؤلاء هم الأنبياء وإمامهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم القائل : (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ ، وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) ، ودموعه صلى الله عليه وسلم تهراق على وجنتيه ، أما الصحابة وسلف الأمة فكان ارتباطهم بهذه البقعة ارتباطا روحيا وثيقا فأحبوها وعظموها وسكونها وعليهم أشرقت فيها أنوار الوحي وأكرمهم الله بالرسول صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام ، ويكفي في ذلك قصة بلال وحنينه رضي الله عنه في الهجرة حيث يقول : أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بَوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ. وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ. 6- ومن حكم ومقاصد الحج أنه يحصل به كثير من المنافع الدينية والدنيوية الأخلاقية والسلوكية قال تعالى :(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، ومن أعظم هذه المنافع وأجلها أن يرجع الحاج كيوم ولدته أمه متجردا من ذنوبه وخطاياه كما تجرد من المحيط والمخيط ، وكذلك العتق من نار جهنم ثم أن يباهي الله به ملائكته ، فهذه المنافع هي التي تترك في الإنسان أثرا أخلاقيا أنيقا، وإحساسا إنسانيا عميقا، يدفعانه إلى الطمأنينة والخشوع والسكينة وتجنب الضجيج والجدال وعلو الصوت ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يشير بيده اليمنى ويقول : (أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ) ، ومن هذه المنافع أيضا فرصة دعاء المسألة الثابت في أماكنه التي دعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأل فيها المسلم ربه من خيري الدنيا والآخرة ، أما دعاء الثناء والذكر فالمطلوب الاستمرار والمداومة عليه ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما تركه منذ خروجه من المدينة حتى عاد إليها وهو يقول : (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) ، ومن المنافع التي تتحقق للمسلمين في الحج المنافع الاقتصادية , فيكثر البذل والعطاء من الأغنياء إلى الفقراء , وتنشط الحركة التجارية فيتبادلون السلع والمواد المختلفة فيكون الحج سوقا اقتصادية تعود بالنفع والخير على البلدان الإسلامية ، قال الله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) ، وكذلك من هذه المنافع أن يتعرف المسلم على أخيه المسلم من مختلف الأقطار والأمصار فيلزم نفسه بمعاملته بالإيثار والعفو والصبر والحسنى ، وكذلك استفادة الحاج النظام والدقة لأنه يؤدي أعمالا محددة في أوقات وأمكنة محددة إلى غير ذلك . 7- إن من مقاصد الحج أيضا التربية على التوازن والاعتدال والوسطية في الأعمال ممثلا في الجد والحركة والنشاط مع رفع الحرج والابتعاد عن الغلو والشطط فلا تفريط ولا إفراط كما في قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا) ، ومن التوازنِ والاعتدالِ : النومُ ليلة عرفة وليلة المزدلفة والفطر يوم عرفة وجمع الصلوات والاقتصاد في النوافل والاستظلال بالظل والركوب والفسحة في الزمان والمكان ، فأما الزمان فلم يجعل الله عز وجل زمن الحج يوما أو ثلاثة أيام أو شهرا حتى يضيق على الإنسان تأدية الشعائر فيه ، بل جعله على مدى ثلاثة أشهرا ممتدة حتى يأخذ الإنسان أهبته وكامل استعداده البدني والمادي والمعنوي قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) ، وأما الفسحة في المكان فتتجلى في كثير من النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم ، « قَدْ وَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ » ، وَ« قَدْ وَقَفْتُ هَاهُنَا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ)، وَ« قَدْ نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ » وأمثالها من النصوص الدالة على رفع الحرج والسعة في المكان والتي تربي الناس على الوسطية في الدين والوزن بالقسط في كل أموره ، (فالدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) مع الجد والاجتهاد والنشاط ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولهذا مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ « افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ ». 8- ومن حكم ومقاصد الحج أنه مؤتمر عام لشعوب المسلمين قاطبة يزيد من وحدتهم وجمع كلمتهم ولم شملهم ورص صفوفهم ويعين على نبذ الفرقة والشقاق وما يؤدي إليه امتثالا لقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وقوله تعالى :(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) ، وقد استفاضت السنة النبوية بالحث على رص الصفوف ولم الشمل قال صلى الله عليه وسلم (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وقال صلى الله عليه وسلم :(عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ) ، وقال أيضا : (يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ) ، إذن فهذا المقصد العظيم يتجسد في هذه العبادة حيث يجتمع فيها أكبر كم من المسلمين في مكان واحد وزمان واحد بشعار واحد يجمعهم هدف واحد واستجابة لنداء واحد من رب واحد – جل جلاله وتقدست أسماؤه - ، وإن اختلفت ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم وطبقاتهم لا يتفاوتون ولا يتفاضلون إلا بالتقوى ، ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى) ، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ومعناه معنى الآية. 9- ومن مقاصد الحج وحكمه إظهار قوة المسلمين ومنعتهم فإن هذا الكم وهذا الاجتماع الموحد - زمانا ومكانا- في أعظم حشد وتظاهرة تشهدها الكرة الأرضية سنويا من شأنه أن يظهر قوة المسلمين ولحمتهم كما يغيظ أعداء الأمة ويثير حفيظتهم لأن فيه دليلا واضحا على أن هذه الأمة أمة واحدة مهما حاول الأعداء تفتيتها والتفريق بينها وبرهانا ساطعا على أنها أمة حية حياة روحية تدفعها إلى تجاوز السدود والحدود مهما قسمت وجزئت ، فهذا من أكبر ما يغيظ الأعداء ويحطم آمالهم ويرد كيدهم رأسا على عقب ويقلب مخططاتهم ظهرا لبطن ؛ وهذا أيضا مقصد من مقاصد الدين الإسلامي فقد قال الله تعالى : (وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)، ولذا قال صلى الله عليه وسلم في الرمل في الطواف لِأَصْحَابِهِ (أَرُوهُمْ أَنَّ بِكُمْ قُوَّةً). 10- ومن حكم وفوائد الحج كذلك أنه ينبه الغافل ويعلم الجاهل ويذكر الناسي خاصة بالمصير الحتمي الذي ينتظر هذا الإنسان من موت وبعث وحشر ونشر وأهوال اليوم الآخر ، فإن التجرد والاغتسال والإحرام يذكرون بتجريد الميت وتغسيله وتكفينه والوقوف على صعيد عرفة وجمع يذكر بالموقف والبعث على الساهرة وبين يدي المولى جل جلاله قال تعالى : (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) ، وقال تعالى : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) ، كما أن انصباب الناس في المشاعر يذكر بالبعث والحشر والنشور قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ، فأنت ترى وفود الرحمن ينسلون ويأتون من كل فج عميق (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ) ، هنا -أكثر من أي مكان آخر- تتذكر قول الله جل وعلا : (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) ، فقد جاءوا الجماء الغفير ، رجالا وركبانا ، زرافات ووحدانا ، منيبين تائبين لسان حالهم : ذكرتك والحجيج لهم ضجيج بمكة والقلوب لها وجيب فقلت ونحن في بلد حـرام بـه لله أخلصت القـلوب أتوب إليك يا رحمن مما عملت فقد تظاهرت الذنوب كما يردد: إنها فعلا صورة مصغرة ليوم القيامة فإذا تأمل الإنسان ونظر مد البصر عن يمينه وشماله وأمامه وخلفه يراها متمثلة بوضوح في الحجيج وهم يدوكون في عرصات المشاعر كدوكهم في عرصات القيامة فلا يملك أمام هذا المشهد الرهيب إلا أن يقول آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا . خاتمة : وأخيرا على الحاج أن يحرص على الذكر والاستغفار وعدم الغفلة والإخلاص واغتنام الوقت والانطراح بين يدي الله تعالى وعدم الإكثار من الأحاديث الجانبية كالأحاديث في أمور الدنيا إلا لضرورة ، وعليه أن يحرص على حضور مجالس العلم وتعلم ما ينفعه والسؤال عما ينوبه من الأحكام ، وعليه كذلك أن يحرص على حضور الخطب والصلوات ، خاصة في عرفة بخشوع وخضوع وانكسار بين يدي ربه ، فقد يكتب الله له بذلك رضاه إلى يوم يلقاه ، وقد يسمع الحاج كلمة أو نصيحة تعدل خط حياته وتدفعه إلى الاستقامة على دين الله حتى يلقى الله وهو على تلك الاستقامة فيكون من الذين قال الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، فإن الموعظة والنصيحة لها في هذا المكان أثرها الخاص حيث يدبر ويتصاغر الشيطان ، ويتفانى الإنسان في مرضاة الله والشعور بعظمته في هذه الرحلة المباركة التي وهب الإنسان فيها نفسه وماله لله جل وعلا ، وخرج تاركا أهله وماله ودياره لا لشيء سوى مرضاة الله الواحد الأحد واستجابة لندائه وتعرضا لنفحاته وإيمانا بأن ما عنده خير وأبقى . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين كتبه الفقير إلى ربه مولاي ولد حمين الشنقيطي مكة المكرمة 25 ذو القعدة 1430هــ

...إقرأ المزيد