(استطعما أهلها)

ذكر العلامة الشيخ محمد بن حنبل في كتابه تسهيل الوصول إلى ما جاء في الذكر من نبي ورسول أن الصلاح الصفدي وجه أبياتا إلى السبكي يسأله عن سر إعادة الظاهر مكان المضمر في قوله تعال: (حتى إذا أتيا أهل قرية استطهما أهلها)
فأجابه السبكي بأنه لو قال استطعماها لم يصح لأنهما لا يستطعمان القرية أو استطعماهم فكذلك لأن جملة استطعما صفة لقرية النكرة لا لأهل فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود عليها ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر، وقد نظم ابن حنبل جواب السبكي في أبيات على نسق أبيات الصفدي بحرا وقافية:
ســؤال الصفدي:
أسيدنا قاضي القضاة ومـن إذا بدا وجهه استحيا لـه القمـران
ومن كفه يـوم النـدا ويراعـه على طرسـه بحـران يلتقيـان
ومن إن دجى بالمشكلات مسائل جلاها بفكـر دائـم اللمعـان
رأيت كتاب الله أكبـر معجـز لأفضل من يهدي بـه الثقـلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز ألفـاظ وبسـط معانـي
ولكنني أبصرت في الكهف آيـة بها الفكر في طول الزمان رمانـي
وما هي إلا "استطعما أهلها" فقد نرى استطعماهم مثلـه ببيـان
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر مكـان ضميـر إن ذاك لشـان
فأرشد على عادات فضلك حيرا فما لي بها عنـد البيـان يـدان
نظم إجابة السـؤال للشيخ ابن حنبل:
هو المنزل المحفـوظ كـل أوان وعن مثله قد كَلَّ كـل لسـان
تعاطته أفكار القرون التي مضت ومن بعدهم من أهل كل زمـان
فما أظهروا معشار ما هو مودع من اسـراره في حكمـة وبيـان
سألت عن أمر (اسطعما أهلها)فقد ترى استطعماهم مثلـه ببيـان
فقلت لأن استطعما وصف قرية فأعينها نحـو الضميـر روانـي
فإن هو قال استطعماها ففاسـد لأن سؤال الدور ليـس بشـان
أو استطعماهم لا يعـود لقريـة ضمير فيكسى اللفظ ضعف بيان
فأظهر أهل وصلـة لضميرهـا فقلد بالإظهـار عقـد جمـان
فخذه جوابا رائق النظم محكمـا مصونا من التعقيد كل صيـان.